قدم الباحث السوري في الشؤون الدينية هشام أحمد صقر في حديث له لوكالة مهر للأنباء عددا من الايضاحات حول عقائد الطائفة العلوية موضحا ما يثار حول هذه الطائفة من تساؤلات قائلا
من المخجل أننا وصلنا إلى زمن بات فيه الكذب على الناس هواية وصياغة الروايات الملفقة احتراف، والأسوأ من ذلك أن كل من يتبنى هذه الأفكار المنحرفة هم من جهلة الناس، ويتحدثون بها دون بينة أو مشاهدة، أي بمجرد السماع والنقل عن الحاقدين، ورغم أن هؤلاء يصعب إقناعهم لقول مولانا أمير المؤمنين علينا سلامه: "نقل الصخور من مواضعها أهون من تفهيم من لا يفهم"، لكن هذا لا يعني أن نسكت عن افتراءاتهم بحقنا، بل يجب علينا الرد بالعلم والمنطق والبرهان دحضاً للشبهة.
وأضاف العالم الديني: عدم الإيمان بالحساب والمعاد هو تكذيب للموت أصلاً، ولا يوجد إنسان على وجه البسيطة ينكر الموت لقوله تعالى: "قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ"، ولكن الاختلاف حاصل في معرفة ما يحصل بعد الموت: فمن هو المسؤول عن الخطيئة: الروح أم النفس أم الجسم؟ ومن يعاقب النفس أم الروح أم الجسم؟ وإلى أين تذهب النفس؟
وحول سؤال مراسل وكالة مهر للانباء إن كان هناك فرقاً بين الروح والنفس عند العلويين كما يتضح من إجابته السابقة قال الأستاذ هشام: بالتأكيد، فالروحُ غير النفس لقول أمير المؤمنين عليه السلام: "إنَّ اللهَ خلق الروحَ وجعلَ لها سلطانًا، فسُلطانُها النفس"، ففي الروح قال مولانا الصادق "ع": "الروحُ مثالُ الشمسِ مركوزةٌ في السماءِ وشعاعُها في الدُّنيا"، كما قال "عليه السلام" في النفس: "ما مِن أحدٍ يَنامُ إلا عَرَجَتْ نفسُهُ إلى السماءِ"، فالنفسُ ما دامَت مظلمةً بالشهواتِ والمعاصي، محجوبةً عن إشراقِ نورِ العقل، سُمِّيت نفسًا، وإذا اطمأنَّتْ سُمِّيَتْ روحًا. هذا يعني أنَّ الروحَ جوهرٌ قائمٌ بذاتهِ مُستَغنٍ عن العَرَض، وأنَّ النفسَ محتاجةٌ للروح، إذ إنَّ الروحَ تَمُدُّ النَّفسَ، وهي مصدرُ الحياةِ والموتِ والحركةِ والسكونِ والنُّطقِ والصَّمت، أي أنَّ هذه الأفعالَ والصفاتِ والحالاتِ واقعةٌ على النفسِ لا على الروحِ، لأنَّ الروحَ هي الفاعلةُ، والفرقُ كبيرٌ بين الفاعلِ والمفعول، أي بين الروحِ والنَّفسِ.
وتابع احمد صقر موضحا إنَّ الروحَ في القرآنِ الكريم تُذكَرُ بدرجةٍ عاليةٍ من التنزيهِ والتَّشريف، حيث سئلَ رسول الله "صلوات الله عليه وآله" عن الروحِ فنزلت عليه آية قال الله تعالى فيها: "ويسألونكَ عن الروحِ قلِ الروحُ من أمرِ ربِّي وما أوتيتُم من العلمِ إلا قليلاً"، مُنزِّهًا إيَّاها عن الإدراكِ، وهي تُنسَبُ إلى الله وترمز للغيب الذي لا يُطلِعُ عليه أحداً، وقد جاءت بمعنى القرآن في قوله تعالى: "وكذلكَ أوحينا إليكَ روحًا من أمرِنا"، وبمعنى الرحمة في قوله تعالى: "وأيَّدَهُم بروحٍ منه"، وبمعنى الوحي في قوله تعالى: "تنزَّلُ الملائكةُ والروحُ فيها بإذنِ ربِّهم من كلِّ أمر". أما النفسُ فقد تُنسب إلى الله من حيثُ التجلي الصفاتي كما في قوله تعالى: "ويحذِّرُكُمُ اللهُ نفسَهُ"، ولكنها لا تقاسُ هنا بأنفسنا لقوله تعالى: "تعلمُ ما في نفسي ولا أعلمُ ما في نفسك"، كما أنها قد تنسبُ إلى البشر، حيث قسَّمَ الفيلسوف العظيم أفلاطون النفس إلى: "نفسٍ عاقلةٍ مقرُّها الرَّأس، ونفسٍ غضبيَّةٍ مقرُّها الصَّدر، ونفسٍ شهوانيةٍ مقرُّها البطن"، لذلك تعدَّدت مقاماتُها بدءاً من النفس الأمَّارة بالسُّوء التي تفرقُ بين الحقِّ والباطل، إلى النفس اللوامة التي تميلُ إلى الخير تارةً وإلى الشَّرِّ تارةً، فمرةُ تجاهدُ هواها ومرَّةً تُطيعُه، إلى النفس المُلهَمَة فالنفس المطمئنَّة، ثم النفس الرَّاضية والنفس المَرْضيَّة، وأخيراً النفس الكاملة، وهذه الثلاثة الأخيرة تختصُّ بمقام الأبرار.
وبين الباحث السوري إذ ما كانت الروح أم النفس أم الجسم مسؤول عن الخطيئة قائلا إذا كانت هذه الأجساد الترابية قدِ ارتَكَبتِ الذنوب، فما هو ذنبُ الأجسادِ الترابيةِ التي سيتمُّ بعثُها يوم البعث؟ وما ذنب الأجسادِ الغيريَّةِ التي سيتم تجديدها كلما احترقت في نار جهنم؟ خاصَّةً وأنَّ الإحساسَ بالألمِ يُعدَمُ عندَ احتراقِ النهاياتِ العصبيَّة!؟ إذن التَّعذيبُ يقعُ على النفسِ لا على الجسم، لذا قيل: لا تَخَفْ موتةَ الجسم بل خَفْ موتةَ النَّفس، ولهذا أشار سيدنا المسيح "ع" بقوله: "ما أعظم جنون الإنسان الذي يبكي على الجسد الذي فارقته النفس، ولا يبكي على النفس التي فارقتها رحمة الله بسبب الخطيئة".
وتابع الأستاذ هشام قائلاً: كما أنه لا توجدُ آيةٌ من جميع الآياتِ التي تتناولُ ذِكرَ الروحِ تشيرُ إلى مسؤوليةِ الروحِ عمَّا قدَّمَتْ أو أخَّرَت، بينما لا تكادُ تخلو واحدةٌ من الآياتِ التي ذكرتِ النفسَ عن مسؤوليَّتها عمَّا عملتْ لقوله تعالى: "وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ"، فتعلُّقُ النفسِ بالجسم بالتدبيرِ له لا بالحلولِ والالتصاق كما يقول المعلم الأول أرسطو، وفي هذا المعنى أيضًا يقول الفيلسوف الغسَّاني قدس الله سره: "النفسُ علاقتُها بالجسم علاقةُ إشرافٍ وتدبيرٍ لا علاقةُ امتزاجٍ واختلاط".
فالمسؤوليةُ تقع على النفسِ دائماً لأنها في موقعِ الاختبارِ والاختيار، حيث وردَ عن مولانا الصادق "ع" في تفسير قوله تعالى: "ونفسٍ وما سَوَّاها- أي خلقَها وصَوَّرَها- فألهَمَها فُجورَها وتَقواها- أي عَرَّفها وألهَمَها ثمَّ خَيَّرَها فاختارت"، وقال "ع" أيضًا: "أفضلُ الجهادِ مجاهدةُ المؤمنِ نفسَهُ عن الشُّبهاتِ وارتكابِ الشهوات"، كما قيل في تفسير قوله تعالى: "فتوبوا إلى بارئِكُم فَاقتُلوا أنفسَكم" أي أنَّ اللهَ أرادَ قطعَ النفسِ عن العلائقِ الجسميَّةِ واتِّصالَها بالعالمِ الأعلى.
وعن مابعد الموت أوضح الباحث السوري أن النفسُ هي التي تخرجُ عندَ الموتِ، لقوله تعالى: "اللهُ يتوفَّى الأنفسَ حينَ موتِها" وقوله: "كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموت" فهي تذوقُ الموتَ لكنْ لا تموت، وهي رحلةُ خروجِ النفسِ من الجسم، لأنَّها موجودةٌ قبلَ الولادةِ وأثناءَ الحياةِ وبعدَ الموت، وهي طوالَ الحياةِ في حالةِ استقطابٍ وحركةٍ وتَذَبذُبٍ بين القطبِ الروحيِّ والقطبِ الجسمي، لأنَّ الجسم والروحَ مجالُ الامتحانِ والابتلاءِ تمامًا كما الأرضُ والسَّماء./ انتهى/
أجرى الحوار: محمد مظهري
يمكنكم متابعة المراسل عبر تويتر: epicoria@
تعليقك